فرْض الحصص الكمّيّة على مستورَدات الألمنيوم

القرار الجديد لوزير الصناعة والتجارة بفرض القيود الكمية على مستوردات الألمنيوم ، يلقي الضوء على قيود التجارة التي تحد من المنافسة في السوق الأردني والتي كَثُر تطبيقها في عهد حكومة الرزاز من قبل الوزارات التي تنظم إصدار رخص وبطاقات الإستيراد ؛ تحديداً وزارة الصناعة والتجارة و وزارة الزراعة .

Sep 11, 2019

  
            المحامي بهاء العرموطي
  | 10/12/2019   
القرار الجديد لوزير الصناعة والتجارة، بفرض القيود الكمّيّة على مستورَدات الألمنيوم، يلقي الضوء على قيود التجارة التي تحدّ من المنافسة في السوق الأردنيّ، والتي كَثُر تطبيقها في عهد حكومة الرزّاز من قِبَل الوزارات التي تنظّم إصدار رخص وبطاقات الاستيراد؛ وتحديداً: وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الزراعة.               
بعكس ما كان مرجوّاً منها عندما رفعت شعارات "النهضة" و"الحداثة"، يكشِفُ استخدام الحكومة المتزايد لهذه الإجراءات الحمائيّة "المُخالِفة" عن الغياب التامّ لأيّة سياسات تنمويّة لديها، وعن حالة الجمود التي تعتري فكرها، ويعيد إلى الواجهة أنماطَ إدارة حكوميّة "غير رشيدة" لا تميّز بين الصناعة المحليّة التي تستحقّ الحماية وبين تلك التيلا تستحقّها، وبين الصناعة التي تسعى إلى التطوير كأساس للمنافسة وتلك التي تتجنّبه على اعتباره كلفاً إضافية. 
بدراسة الظروف التي سبقت إصدار قرار "الألمنيوم"، فقد كانت وزارة الصناعة والتجارة قد أجرت تحقيقاً، في تمّوز الماضي، بشأن طلب حماية مقدَّم من الصناعة المحلية للألمنيوم وفقاً لأحكام قانون حماية الإنتاج الوطنيّ؛ ادّعت فيه الصناعة المحلية حدوث تزايد في المستوردات أضرّ بها. وبعد الانتهاء من التحقيق، قرّر أخيراً مجلس الوزراء عدم فرض الحماية؛ ممّا يعني بالضرورة عدم تحقّق شروط حماية صناعة الألمنيوم وفقاً لقانون حماية الإنتاج الوطنيّ. وأبلغت وزارة الصناعة والتجارة منظّمة التجارة العالميّة بإنهاء التحقيق دون فرض الحماية. 
بعد فترة وجيزة، عادت الحكومة وفرضت قيوداً كمّيّة على مستورَدات الألمنيوم، بل وبعيداً عن قانون حماية الإنتاج الوطني!  ولكنها استندت هذه المرة إلى أحكام قانون آخر، وهو قانون الاستيراد والتصدير؛ وتحديداً المادّة الخامسة منه، والتي تنصّ على ما يلي: " يحدّد الوزير أو الجهة المختصّة البضاعة التي يخضع استيرادها لرخص استيراد غير تلقائيّة في الحالات التالية:  
2. إذا كانت البضاعة خاضعة لقيود كمّيّة وفقاً للتشريعات النافذة المفعول اوالاتفاقيّات الدوليّة ذات العلاقة ." 
السؤال هنا: هل يمنح فعلاً هذا النصّ الصلاحيّة لوزير الصناعة والتجارة بفرض القيود الكمّيّة على مستورَدات الألمنيوم بعيداً عن قانون حماية الإنتاج الوطنيّ؟
 ❞ لا صلاحيّات يمنحها قانون الإستيراد والتصدير  لإصدار القرار بفرض الحصص الكمّيّة على المستوردَات، وإنّما تنظم أحكام  هذا القانون آليةَ تنفيذ قرارات الحصص الكمّيّة التي "تكون قد صدرت" وفقًا لتشريعات أُخرى  
 المادّة الخامسة ليست غامضة في هذا الشأن، فهي فقط مادة "تنظيميّة" تحكم آليّة إصدار رخصة الاستيراد لمنتجات "قد خضعت" لقرارات قيود كمّيّة صدرت بموجب "تشريعات نافذة المفعول او وفقاً للاتفاقيّات الدوليّة ذات العلاقة". وعليه فإنّ قانون الاستيراد والتصدير لا يحمل أيّة صلاحيّات مباشرة لوزير الصناعة والتجارة بفرض القيود الكمّيّة على المستورَدات؛ وإنّما صلاحيته هي فقط تنظيميّة وتنحصر في إصدار رخص استيراد غير تلقائيّة، تنفيذاً لقرارات مجلس الوزراء بفرض الحصص الكمّيّة التي تصدر بموجب أحكام قانون حماية الإنتاج الوطنيّ. 
إنّ صلاحيّة فرض الحصص تحكمها حصراً أحكام قانون حماية الإنتاج الوطنيّ، والتي جاءت لتعكس أحكام اتفاق تدابير الحماية لمنظّمة التجارة العالمية، وهي الاتّفاقيّة التي تُعتبر استثناءً على التجارة الحرّة إذا ثبت أنّ الصناعة المحلّيّة قد تضرّرت بشكلٍ بالِغ من تزايد المستوردات المشابهة.  
حيث تنصّ المادّة الواحدة والعشرون من قانون حماية الإنتاج الوطنيّ بشكلٍ صريح على اعتبار فرض الحصص الكمّ22يّة كتدبير من تدابير الحماية: 
"أ. يقرّر الوزير، بناءً على توصية المديريّة، اتّخاذ ما يراه ضروريّاً من تدابير الحماية التالية:
1. تحديد الحصص الكمّيّة التي يجوزاستيرادها من المنتج المستورَد."
ولكن لا يتمّ فرض الحماية، وفقاً لقانون حماية الإنتاج الوطنيّ، إلّا بعد التثبّت بالأدلّة من تضرّر الصناعة المحليّة نتيجة تزايد المستورَدات، ويتمّ ذلك من خلال تحقيق تجريه وزارة الصناعة والتجارة لمدّة ستة أشهر، يتمّ خلاله إعطاء الفرصة لكافّة الأطراف ذات العلاقة من تقديم أدلّتها وبياناتها ودفوعها. 
وبالتالي، لا يجوز إصدار قرار القيود الكمّيّة في حالة الألمنيوم، وفقاً لنصّ المادّة الخامسة من قانون الاستيراد والتصدير؛ وإنّما صلاحية فرض الإجراء محصورة في نصوص قانون حماية الإنتاج الوطني، وهو كما ذكرت، تمّ اللجوء له في بداية الأمر، إلّا ان شروط الحماية التي يتطلّبها لم تنطبق.
 ❞  الصلاحيّة الفعليّة لفرض القيود الكميّة يمنحها قانون حماية الإأنتاج الوطنّي لا قانون الاستيراد والتصدير   
إنّ هذا الإصرار من الحكومة على توفير الحماية للصناعة المحلّيّة، وبهذا الأسلوب، هو ضربة لسيادة القانون، وهو بعينه أسلوب "الفزعة" الذي يكشف عن الغياب التامّ للسياسات لديها. ويعبّر عن توجّه الحكومة "غير المدروس" لحماية الصناعة المحلّيّة، دون أن يكون ذلك مبنيّاً على أدلّة تثبت تضرّر الصناعة المعنيّة. كما أنّ هناك العديد من الإجراءات المشابهة التي يتمّ فرضها من قِبَل وزارة الزراعة ضدّ المستورَدات؛ كتلك المتعلّقة بالأجبان، والألبان، وغيرها من المنتجات، تصل في عديد من الحالات إلى الحظر المطلَق. 
وعلى غرار ما تمّ ذكره، فإنّ قانون وزارة الزراعة أيضاً لا يمنح أيّة صلاحيّات لوزير الزراعة بفرض القيود الكمّيّة عليها، إنّما تقتصر الصلاحيّات على مجرّد إصدار الرخص للمنتجات التي يتمّ إخضاعها لرخص استيراد غير تلقائيّة، تنفيذاً لقرارات فرض الحصص الكمّيّة الصادرة عن مجلس الوزراء، ووفقاً لأحكام قانون حماية الإنتاج الوطنيّ واتّفاقية تدابير الحماية. ولكن على أرض الواقع، تمارس الوزارة الحظر وفرض القيود الكمّيّة دون سند قانونيّ، ممّا يساهم في الاحتكار ورفع الأسعار.
  المعضلة تكمن في عدم لجوء التُجّار للطعن بهذه الإجراءات لأسباب عديدة؛ أهمها قناعة التاجر الأردنيّ بأنه سيتعرّض لعوائق أكثر  إذا أقدم على الطعن بها . سبب ثانٍ أيضًا هو عدم وجود جهات رقابيّة مختصّة في الجوانب القانونيّة والفنيّة لأعمال هذه المؤسّسات وفي تقييم مدى مخالفتها للقانون   
ولكن أين تكمن المشكلة الحقيقيّة في هذه الإجراءات؟ ولماذا تستمرّ؟ هنا لا بدّ من القول بأنّ المعضلة تكمن في عدم لجوء التُجّار للطعن بهذه القرارات لأسباب عديدة؛ أهمّها: قناعة التاجر الأردنيّ بأنّه سيتعرّض لعوائق أكثر إذا أقدم على الطعن بها. سبب ثانٍ أيضاً: هو عدم وجود جهات رقابيّة مختصّة في الجوانب القانونيّة والفنّيّة لأعمال هذه المؤسّسات وفي تقييم مدى مخالفتها للقانون. 
ختاماً، تعيد هذه الإجراءات والقرارات للأذهان فترةً عايشها الأردنيّون في الثمانينيّات من القرن السابق، بالغت فيها حكومات سابقة في إغلاق الاستيراد، واحتكرت فيها الصناعات المحلّيّة الأسواق نتيجة انحسار المنافسة، ممّا أدّى الى تراجع الكثير من هذه الصناعات وجودة منتجاتها المعروضة في السوق بسبب زيادة الربحيّة، وخلقت حالةً مزمنة من السخط لدى الأردنيّين، والتي دفعت الحكومات الأردنيّة للتوجّه نحو تحرير الأسواق، وتجلّت ذروة ردّة الفعل هذه في تعهّدات ممثّل الحكومة الأردنيّة في مفاوضات انضمام الأردن لمنظّمة التجارة العالميّة؛ المدوّنة في تقرير مجموعة العمل للفريق المفاوض، والتي أصبحت جزءاً لا يتجّزأ من قانون تصديق انضمام الاردن للمنظّمة ، حين قال :" أن الأردن ومن تاريخ الإنضمام سيلغى أية قيود كمية على الاستيراد أو أية قيود غير جمركية مثل التراخيص أو الحصص الكمية أو الحظر أو الأذونات أو متطلبات الموافقات المسبقة أو متطلبات الترخيص أو أي قيود أخرى لها نفس الأثر والتي لا يمكن أن تبرر بموجب أحكام اتفاقية منظمة التجارة العالمية ."       






 جميع الحقوق محفوظة ©️ 2021 العرموطي محامون ومستشارون

stay in the loop

Subscribe for more inspiration.