زيادة الضريبة الخاصة على السيارات الكهربائية: معالجة اختلال اقتصادي؟

بهاء الدين العرموطي

Oct 21, 2024

قرار زيادة الضريبة الخاصة على السيارات الكهربائية جاء وفقا للناطق الإعلامي للحكومة السابقة بهدف معالجة "اختلال اقتصادي". وكان يقصد هنا الاختلال التنافسي الناجم عن الفرق بين الضريبة الخاصة التي كانت مفروضة على السيارات الكهربائية، والتي كانت تدفع بمجملها ضريبة خاصة مقدارها 10%، وبين تلك المفروضة على سيارات البنزين والهجينة التي كانت تدفع ضريبة خاصة مقدارها 67%.

وبالتالي لجأت الحكومة إلى "التقريب" بين القيم الضريبية بين سيارات الكهرباء ذات الفئات التي تتمتع "بطلب عالي" وسيارات البنزين، فزادت بشكل كبير الضريبة الخاصة على السيارات الكهربائية التي تزيد قيمتها التسجيلية عن عشرة آلاف دينار إلى 40%، و على السيارات الكهربائية التي تتجاوز قيمتها التسجيلية خمسة وعشرين ألف دينار إلى 55%، بينما خفضت بمقدار ضئيل الضريبة الخاصة المفروضة على سيارات البنزين والهجينة بلغ 7%.

من المؤكد أن القرار سيكون له آثار سلبية عديدة أهمها إضعاف تنافسية سيارات الكهرباء،خصوصا الصينية، بعد زيادة كلفة استيرادها مؤخرا مع إصدار تعليمات إلزام التجار استيرادها وفقا للمواصفات الأوروبية والأمريكية، وهو ما سيؤدي عموما الى إضعاف قدرة المستهلك على اقتناء السيارات بالأسعار التي تناسبه. هذا عدا عن حالة عدم الاستقرار والاستغلال التي نجمت عن القرار بزيادة أسعار السيارات الكهربائية المعروضة مسبقا في السوق، بعيدا عن أية رقابة حكومية أو معالجة مسبقة لهذه المسألة.

 امكانية معالجة الاختلال بطرق اخرى

 التقريب بين القيم الضريبية لسيارات الكهرباء والبنزين كان ممكنا بالطبع من خلال تخفيض الضريبة المفروضة على سيارات البنزين الى حدود تلك المفروضة على سيارات الكهرباء، لا العكس. أو كان من الممكن على الأقل تعديل القيم الضريبة للفئتين إلى مستوى تلتقيان فيه عند منتصف الطريق.

 إلا أن اختيار الحكومة لمعالجة هذا الاختلال بهذه الطريقة، يعني أنه جاء بالضرورة في سياق واحد؛ ألا وهو تعويض تراجع إيراداتها لهذا العام. وهو ما عبّر عنه العديد من المسؤولين والإعلاميين المقربين من الحكومة، الذين برّروا لها "استحقاقه" لتعويض تراجع إيراداتها هذا العام؛ سواء بسبب ضعف الطلب العام أو بسبب تراجع الواردات نتيجة ظروف الحرب في البحر الأحمر، أو حتى بسبب التكاليف الجديدة التي ستتحملها الحكومة نتيجة خسارة قضية العطارات، وهو باعتقادي ما لا يقبله عقل أو منطق في هذا الوقت من الزمان!

 إذ لا يجوز أن يتحمل المستهلك مسؤولية تعويض الخزينة عن أي تراجع لإيراداتها نتيجة الأزمات الاقتصادية أو نتيجة أخطاء الإدارة الحكومية، واعتباره مسؤولا "قسرا" عن تمويل أي تراجع في إيرادات الخزينة؛ في الوقت الذي لا يتناسب فيه ما يدفعه للخزينة مقابل ما يحصل عليه من خدمات حكومية كخدمات التأمين الصحي على سبيل المثال.

 كما أن الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار مخاطر هذه الزيادة وفرضياتها على ذات إيراداتها، التي تحتمل أيضا تراجعها نتيجة الحد من استيراد السيارات الكهربائية، خصوصا مع الطلب الكبير والمتزايد على السيارات الكهربائية في السنوات السابقة الذي سيتراجع بشكل كبير عليها في الوقت الذي قد لا يزيد فيه الطلب على سيارات البنزين.

في هذا العصر لا يجوز ان تكون الجباية هي المهمة الرئيسية للحكومة وانما مهمتها تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والمستوىات المعيشية للمستهلك. وليس من المنطقي أن يتحمل المستهلك تبعات التراجع في إيرادات الخزينة، بل ان مهمة الحكومة تكمن في وضع حلول وسياسات مستدامة لتعزيز إيراداتها دون الإضرار بحقوق المستهلك في الحصول على السلع والخدمات بالاسعار المناسبة، خصوصا في الازمات الاقتصادية.

 من المفترض أن يكون اللجوء إلى زيادة الضرائب لرفد الخزينة آخر الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة، بعد أن تكون قد استنفذت كافة الحلول الاقتصادية الأخرى. إلا أن زيادة الضرائب أصبح أول وأقرب وأسهل الطرق التي تسلكها في ظل غياب السياسات التي تلامس الواقع الاقتصادي الاردني واولوياته، الأمر الذي عَمّق الأزمات الاقتصادية التي نشهدها اليوم من ارتفاع للأسعار وضعف للقوة الشرائية وتراجع لحركة الأسواق.

 ضبط الإنفاق الحكومي كأولوية لزيادة الإيرادات الحكومية

 أما الحلول الأخرى المتعارف عليها دوليا لزيادة إيرادات الخزينة بعيدا عن زيادة الضرائب، نجد أولها دائما برامج ضبط الإنفاق الحكومي، بما يحد من الهدر خصوصا في المشاريع غير الضرورية، وهذا بات مغيبا تماما عن سلم أولويات وإنجازات العمل الحكومي في الأردن لسنوات طويلة.

مراجعة للبنك الدولي للإنفاق العام في الأردن قبل بضع سنوات أظهرت أن الحكومة الأردنية "لم تنجح بالقدر الكافي في ترشيد الإنفاق بطريقة تعزز الكفاءة، و بتحقيق توازن أفضل بين الإيرادات والمصروفات، مما جعلها أكثر اعتمادًا على زيادة الضرائب بدلا من تحسين إدارة الموارد المالية المتاحة". هذا مؤشر على أن هناك فجوات في ترشيد الإنفاق الحكومي وإدارة الموارد، وهو ما يتطلب من الحكومة اتباع هيكلية لزيادة إيراداتها من خلال ترشيد إنفاقها لا من خلال تحميل المستهلك المزيد من الأعباء المالية.

 القرار والتزامات الأردن الدولية

 الزيادة الكبيرة للضريبة الخاصة على السيارات الكهربائية تتناقض إلى حد بعيد مع النهج الذي تبناه الأردن في العقود الثلاثة السابقة، والقائم على تبني نظام اقتصاد السوق الحر، وتحفيز الاستثمار والمنافسة من خلال إزالة العوائق الجمركية والفنية أمام الواردات والاستثمارات، وذلك بهدف تحفيز المنافسة بين الشركات، وهذا ثابت في تعهدات الأردن "القانونية" أمام منظمة التجارة العالمية، وفي أحكام اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعت عليها الحكومات الأردنية. كما يتناقض مع التوجه الحكومي للتحول إلى استخدام الطاقة المتجددة أو البديلة.

 الأسبوع الماضي نشر صندوق النقد الدولي نتائج "اتفاق المراجعة الثانية" مع الحكومة الأردنية، وأشاد بقدرة الحكومة على زيادة إيراداتها هذا العام، إلا أنه خلص في نهاية بيانه إلى "أن الحكومة الأردنية مصممة على إجراء إصلاحات هيكلية لبيئة الأعمال لجذب الاستثمارات وتعزيز المنافسة" هذا في الوقت التي تتعارض فيه مثل هذه الزيادة الضريبية مع ما جاء في هذا البيان، لأنها تتناقض مع مبدأ استقرار البيئة الاستثمارية، وتُضعف المنافسة في السوق الأردني. من الواضح أن بيان صندوق النقد "الإيجابي" كان معنيا في المقام الأول بالإشادة بقدرة الحكومة على زيادة إيراداتها، وهو باعتقادي ما يفتح شهية الحكومة على إجراء المزيد من الزيادات الضريبية في ظل عدم قدرتها على تقديم سياسات "تقنع" بها الصندوق لرفد الخزينة بعيدا عن زيادة الضرائب، مما يعني أننا سنشهد المزيد من ارتفاعات الأسعار في قطاعات عديدة ومختلفة.

 أهمية تحفيز الأسواق

 في المحصلة لا يمكن معالجة أية اختلالات في هذا القطاع إلا من خلال سياسات اقتصادية تلامس واقعنا وتحدد اولوياته، وتراعى فيها مصلحة كافة أطراف معيار المصلحة العامة وبشكل خاص المستهلك. لأن مثل هذه الحلول الضيقة التي لا ترى بعينها إلا الإيرادات تزيد من مشاكلنا الاقتصادية، وتقوض جهود التنمية وجهود تحفيز الاستثمار واستقرار البيئة الاستثمارية وخلق فرص العمل، إضافة الى انها تسهم في تعميق فجوة الثقة مع الحكومة الى حد كبير.

 

stay in the loop

Subscribe for more inspiration.