الميتاڤيرس: الاحتمالات والفرضيات

بدأت أزور عالم الميتاڤيرس (Metaverse) منذ خمسة أشهر تقريباً لاستكشاف ماذا سيجلب من جديد في عالم التقنيات والتشريعات التقنيّة والتجاريّة، وعلاقة هذا العالم بالعقود "الذكيّة" .

Jan 3, 2022

 بهاء العرموطي

 بدأت أزور عالم الميتاڤيرس (Metaverse) منذ خمسة أشهر تقريباً لاستكشاف ماذا سيجلب من جديد في عالم التقنيات والتشريعات التقنيّة والتجاريّة، وعلاقة هذا العالم بالعقود "الذكيّة" . 
 الدخول إلى عالم الميتافيرس متاح حاليّاً باقتناء نظّارات "أوكيولاس كويست 2" التي تنتجها شركة فيسبوك. النظّارة لاسلكيّة ولا تحتاج للاتّصال بأيّ جهاز آخر. وتجد فيها التطبيقات معروضة مباشرة. ويتمّ التحكّم بالنظّارة من خلال "مقابض تحكّم" إلكترونيّة لاسلكيّة أو حتّى بالأيدي إن لم ترغب باستخدام المقابض. 
بمجرّد تشغيل النظّارات واتّصالها اللاسلكيّ بشبكة الإنترنت تدخل إلى الميتافيرس بكافّة أبعاده. تتجوّل في هذا العالم إن أردت؛ إمّا على قدميك أو باستخدام المقابض، حتّى وأنت جالس على الكرسيّ في منزلك أو مكتبك.
 الميتافيرس عالم قائم بحدّ ذاته. أنْتَقِل فيه إلى أيّ مدينة من المدن حول العالم بلمح البصر، وأتجوّل في شوارعها. وأزور الفضاء بمكّوك تعلّمت عنه الكثير عمليّاً وتقنيّاً وأنا أعوم افتراضيّاً بداخله أثناء سيره في الفضاء لانعدام الجاذبيّة الأرضيّة. حتّى التفتُّ لإحدى نوافذه لأشاهد الكرة الأرضيّة من الفضاء! شعور حقيقيّ ورائع!
 في عالم الميتافيرس، ذهبت إلى السينما لمشاهدة فيلم للخيال العلميّ بشاشة يفوق حجمها شاشة السينما العاديّة. كما التقيت بأشخاص من شتّى بقاع الأرض، وتحدّثت معهم على طاولة اجتماعات "افتراضيّة". أيضاً، مكّنني هذا العالم من الدخول إلى جوف حوت، وحتّى بعوضة! وتمعّنت وتعلّمت خصائصها البيولوجيّة بمنتهى الدقّة!
 في هذا العالم، لعبت الملاكمة ضدّ ملاكمين افتراضيّين على حلبات مليئة بالجماهير، تشجّع وتصيح وتصفّق للفائز. لا أنتهي إلّا وأنا أتصبّب عرقاً وقد حرقت مئات السعرات الحراريّة! كما تسلّقت جبال "روكي" الشاهقة، وشاهدت كلّ التفاصيل المحيطة بي كلّما صعدت خطوة إلى الأعلى! وغيرها الكثير من البرامج الرياضيّة التي تتيح لك لعب الرياضة على نحو تنافسيّ وحقيقيّ. 
لا شكّ أنّ عالم الميتافيرس قادم. عالم ثلاثيّ الأبعاد بمجمله، شديد الوضوح. ولكن سيرافق ذلكَ الكثيرُ من المتغيّرات على المستوى القانونيّ والعلميّ والاجتماعيّ. 
ستكون له سلبيّات كثيرة إذا زاد استخدامه عن الحدّ المعقول؛وتمّ التركيز فيه على الاستهلاك (كاستخدام ألعاب الفيديو)، دون الإنتاج (كالتعلّم أو ممارسة الرياضة أو إنشاء الأعمال وإدارتها). وسيكون أثره سلبيّاً أيضاً على من يفتقر إلى المعرفة المتعلّقة بتنظيم الوقت. 
على الوجه المقابل، ستكون له فوائد كثيرة؛ فلا شكّ أنّه سيوظّف شريحة هائلة من الناس من مختلف القطاعات. كما سيكون له فوائد علميّة وتعليميّة كبيرة. فيمكن تطبيق الكثير من العلوم فيه من الناحية العمليّة، خصوصاً في مجال التعليم الطبّيّ أو الهندسيّ، بل وأيّ تخصّص آخر، وبشكل مبتكر. كما أنّه سيساعد، بشكل غير مسبوق، أصحاب الاحتياجات الخاصة في تلقّي العلم والانتقال بيسر في هذا العالم، وحتّى العمل والإنتاج فيه.
 أيضاً، سيتيح ممارسة الرياضة في المنزل إلى حدّ بعيد. توجد فيه آلاف المساحات الافتراضيّة لممارسة الرياضة جماعيّاً مع الناس والمدرّبين في هذا العالم؛ كالتمارين السويديّة، والتزلّج، والجولف، والملاكمة، وحتّى التنس الأرضيّ وتنس الطاولة.
 كما سيكون لهذا العالم وهذه التقنية أهمّيّة مطلقة في ميدان التسويق. يمكن، على سبيل المثال، إقامة محالّ تجاريّة تحاكي الموجودة على أرض الواقع، والتجوّل فيها، والشراء منها إلكترونيّاً على نحو مباشر. ومن ثمّ الحصول على السلعة من خلال خدمة التوصيل. وفي مجال إدارة الأعمال، يمكن عقد الاجتماعات والمحاضرات عن بعد والتفاعل فيها بشكل مبتكر وغير مسبوق. فيمكنك تبادل الحديث والنقاش مع الآخرين، والكتابة أو الرسم مباشرة في أيّ مكان في غرفة الاجتماعات الافتراضيّة. وأيضاً يمكنك تبادل الملفّات معهم "يدويّاً" والتعبير عن أفكارك بشتّى الطرق التي يمكن أن تخطر على بال الإنسان. 
وفي المستقبل، يمكن أن نرى المحاكم داخل الميتافيرس؛ تنظر في القضايا الناشئة عن التفاعل في هذا العالم أو حتّى في العالم الحقيقيّ. ويمكن التفاعل بشكل واقعيّ معها ومع قُضاتها والظهور أمامها أو أمام أيّ هيئة أخرى، ولكن بعد أن يتمّ التوصّل لتقنية لا تسمح بتعدّد الهويّات للشخص الواحد على الميتافيرس. وهو ما يجري العمل عليه حاليّاً وأصبح في متناول اليد.
أيضاً، في عالم الميتافيرس سيتمّ إنشاء "العقود الذكيّة" وتنفيذها. وهذا بحدّ ذاته سيكون ثورة في ميادين القانون والتبادل التجاريّ، والعلميّ، والثقافيّ، والاجتماعيّ بين الناس حول العالم. بل يمكن أيضاً شراء الأراضي الافتراضيّة والاتّجار بها، وبناء الأصرحة، والمتاحف، والمنازل، والمساجد والكنائس، والبرلمانات، والمكاتب عليها. بل وحتّى الهيئات الرسميّة. قطعة أرض افتراضيّة بيعت الأسبوع الماضي بمبلغ قياسيّ بلغ ٢ مليون دولار! 
على الجانب التشريعيّ، يبدو أنّ الكثير من التعديلات ستطرأ على مختلف التشريعات حول العالم لتنظيم أحكام المعاملات في هذا العالم، خصوصاً أحكام المنافسة، ومنع الاحتكار، ووسائل الإثبات، والمعاملات الماليّة، وتلك المتعلّقة بالعملة الإلكترونيّة وتقنيات سلاسل الكتل ال (Blockchain). كما أنّه قد يتطلّب تعديلاً للقوانين التي تحكم المعاملات العقاريّة، لتشمل العقارات الافتراضيّة التي بدأ التعامل معها في تشريعات بعض الدول الغربيّة كأصول وموجودات! 
من الواضح أنّ منصّة الميتافيرس التابعة ل"فيسبوك" هي الأكثر تقدّماً، بل لا يوجد لها منافس حتّى اليوم. لكنّ هذا حتماً سيشعل المنافسة لإنشاء المزيد من المنصّات من قِبَل المشغّلين الآخرين، مثل أبل وسامسونج. في نهاية الأمر، منصّات المشغّلين سيتصّل بعضها ببعض لتجعل منه عالماً ممتدّاً لا نهاية له.
 ليس لديّ شكّ أنّ عالم الميتاڤيرس سيجذب الناس بشكل كبير. لكنّني أعتقد أنّ هذا سيعتمد في الغالب على مدى تطوّر النظّارات لتصبح أصغر حجماً، فقد تشعر بعدم الراحة بعد ٣٠-٤٠ دقيقة من ارتدائها على الرغم من أنّ وزنها ليس ثقيلاً حاليّاً، ولكنّ حجمها كبير بعض الشيء.
 يبقى القول أنّ العمل جارٍ حاليّاً على صناعة قفّازات تتيح الإحساس بالأشياء داخل عالم الميتافيرس الافتراضيّ، وقد تكون متاحة في المستقبل القريب! 
بلا شك أن الاقتصاد، كما نعرفه، ستتغيّر ملامحه بشكل كبير، خصوصاً بعد انتهاء الجائحة. وستعتمد التنمية الاقتصاديّة للبلدان بشكل أساسي على الابتكار وقدرتها على مواكبة التغيّرات التقنيّة من الناحية الإداريّة والتشريعيّة. وهذا أمر يجب أن نتنبه له جيّداً في الأردنّ!
 الفيديو في الأسفل هو تسجيل قمت به باستخدام النظّارة في عالم الميتافيرس عندما كنت أمارس الرياضة وأنا جالس على دراجة ثابتة في البيت! كنت أتجوّل في مدينة زغرب وأتلفّت من حولي!

الابتكار لا حدود له! 




 جميع الحقوق محفوظة ©️ 2021 العرموطي محامون ومستشارون

stay in the loop

Subscribe for more inspiration.