الأزمة الاقتصادية العالمية: لماذا تعجز الدول عن التعامل معها؟

بهاء العرموطي

Jul 20, 2023

الأزمة الاقتصادية والعام 2023

لا يبدو أن الأزمة الاقتصادية راحلة في الوقت القريب، أو على الأقل في 2023. فقد ارتفعت وتيرة التصريحات مؤخرا من المؤسسات الاقتصادية الدولية لتحذر من أن العالم سيدخل في حالة ركود اقتصادي في العام ٢٠٢٣ . مديرة منظمة التجارة العالمية حذرت الشهر الماضي من أن العالم سيدخل في ركود اقتصادي في العام ٢٠٢٣، تبعها تحذيرمشابه من رئيس البنك الدولي، ومؤخرا من مديرة صندوق النقد الدولي التي قالت بأن مؤشرات النمو الاقتصادي للبلدان ستشهد تراجعا في العام ٢٠٢٣. بالتأكيد أن هذه التصريحات لم تأت من فراغ.

 أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية

 الأزمة الاقتصادية التي شهدناها في السنوات القليلة الماضية ونشهدها اليوم تسبب بها اجتماع عدة عوامل؛ أهمها تبعات جائحة الكورونا والحرب الأوكرانية الروسية وظاهرة التغير المناخي؛ التي أدت بمجملها إلى حدوث اضطرابات في شبكات الإمداد العالمية وإلى ارتفاع كلف الإنتاج والشحن، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بالشكل الذي نشهده اليوم.

 في ظل كل هذه المعطيات، وحيث إن هذه الظروف غالبا لا يمكن السيطرة عليها، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في عجز الدول عن التعامل معها؛ وهذا يعود إلى طبيعة النظام التجاري الدولي الذي يحكم العالم اليوم، والذي يعد أحد أهم أوجه النظام الرأسمالي، الذي يحفز الخصخصة وتحرير الأسواق والتربح اللامحدود. 

فعلى الرغم من كل الجهود المضنية التي تبذلها الدول المتقدمة والنامية والأقل نموا للحد من آثار هذه الأزمة، إلا أنها ما زالت عاجزة عن التعامل معها. الولايات المتحدة على سبيل المثال التي لامس فيها التضخم مستويات غير مسبوقة لجأت إلى زيادة أسعار الفائدة بشكل تدريجي، و أصدرت قانون خفض التضخم قبل عدة أشهر، إلا أن هذه الإجراءات أيضا لم تسعف في السيطرة عليه.

 كما أن دولا عديدة لجأت إلى إجراءات عديدة "تقليدية" كالسقوف السعرية التي تلجأ لها عددا من الدول النامية والأقل نموا لكن أيضا دون نتائج على أرض الواقع. 

في ظل كل هذا لا أحدا يضع يده على الجرح، وعلى المشكلة المتمثلة في النظام التجاري الدولي الحالي وأحكامه التي أصبحت تشريعات وطنية لدى 98% من دول العالم ومنها الأردن. إذ تثبت هذه الأزمات المتلاحقة أن هذا النظام لا يُمَكِّن الدول من مواجهة الأزمات الاقتصادية، بل يساهم في إشعال الأزمات الاقتصادية وتعظيم آثارها السلبية على اقتصادات الدول.

 لماذا يتسبب النظام التجاري الدولي في تفاقم الاثار السلبية للازمات الاقتصادية 

النظام التجاري الدولي، الذي يقيد ويحظر الدول من تقديم برامج دعم للقطاعات الإنتاجية، ويفرض عليها معاملة الواردات معاملة وطنية بإزالة كافة العوائق الجمركية والفنية أمامها، قد أضعف بمرور الزمن قدرات الدول في الاعتماد على نفسها لتلبية احتياجاتها وغذائها، وأدى على أرض الواقع إلى اندثار الكثير من الصناعات والقطاعات الإنتاجية، خصوصا في الدول النامية والأقل نموا، التي لم تتمكن من المنافسة مع الواردات في ظل الانفتاح غير المنضبط للأسواق الذي تسبب به هذا النظام. أما في حالة الدول المتقدمة، فاختلالات هذا النظام التجاري الدولي؛ الذي "لا يميز″ بين فروقات الإنتاج في الدول؛ أشعل مطامع التربح في الأنظمة الرأسمالية للدول المتقدمة فانتقلت الكثير من صناعاتها إلى الصين، مما قلل أيضا من اعتمادها على ذاتها في الأزمات، وأصبحت مستوردة لهذه الأزمات أيضا. 

كما أن النظام التجاري الدولي لا يعد حظر التصدير من أي دولة مخالفة، مما ساهم في إشعال اضطرابات شبكات الإمداد العالمية ونقص المعروض وارتفاع الأسعار. 

ضرورة إصلاح النظام التجاري الدولي 

 على الوجه المقابل، فإن كلف تغيير النظام القانوني الذي أرسته منظمة التجارة في الدول الأعضاء كبيرة للغاية. فإذا كان الحل في الانسحاب فإن الانسحاب من المنظمة له كلف سياسية باهظة، على الأقل في مواجهة "الدول المانحة". وإذا كان الحل في عدم الالتزام بمتطلبات هذا النظام، الذي أصبح قانونا وطنيا لدى الدول الأعضاء، فإن مخالفة أحكام هذا النظام على المستوى الوطني يساهم في تقويض مبدأ سيادة القانون. وبالتالي فإن الإصلاح لا يمكن أن يأتي إلا من المنظمة نفسها التي تعنى بهذا النظام والتي لا يبدو أنها تتحرك بفاعلية في هذا الاتجاه، على الرغم من أن "إصلاح المنظمة" هو بند حاضر دائما على أجندة اجتماع لجانها ومؤتمراتها الوزارية؛ لكن دون جدوى.

 اختلالات نظام التجارة الدولية هو عامل لا يقل أهمية عن العوامل الاقتصادية التي أدت إلى ظهور الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي نشهدها اليوم، مما يعني أن العالم أصبح بحاجة ملحة إلى تطوير أحكام جديدة تنصف الدول النامية والأقل نموا، وتمنحها معاملة تفضيلية حقيقية، وتمكنها من مواجهة الاستغلال التجاري، وتسمح لها بتقديم الدعم اللامحدود لقطاعاتها الإنتاجية. ستبقى الأزمة مستمرة ما دام النظام التجاري الدولي على ما هو عليه، وما دام هناك تراخ دولي تجاه إصلاحه.

بهاء العرموطي


جميع الحقوق محفوظة ©️ 2023 العرموطي محامون ومستشارون

stay in the loop

Subscribe for more inspiration.