الآليّات القانونيّة المتاحة لحماية المنتجين المحلّيّين خارج منظومة مكافحة الإغراق، والدعم، والتدابير الوقائيّة
المحامي بهاء العرموطي
لا تقتصر حقوق حماية الصناعة المحلّيّة على النصوص المتاحة في تشريعات مكافحة الإغراق، والدعم، والتدابير الوقائيّة، بل إنّ هنالك أحكاماً قانونيّة أُخرى تمنح الدول الأعضاء في منظّمة التجارة العالميّة، ومنها الأردن، ودول مجلس التعاون الخليجيّ، ومصر، الحقَّ في حماية صناعتها الوطنيّة أو المحلّيّة من الضرر الذي يقع عليها من السلع المستوردة المنافسة. ومن أهم هذه الاليات:
1. زيادة التعرفة الجمركيّة المطبّقة ضمن الهامش المتاح في جدول التنازلات الجمركية
تفرض المادّة 2 من "اتّفاقيّة الجات 1994" على الدولة العضو الالتزام بعدم فرض رسوم جمركيّة على السلعة المستوردة بما يزيد عن الحدّ الأعلى الذي تعهّدت به في جدول التنازلات الجمركيّة المتعلّق بها لدى المنظّمة، إلّا أنّ هذا لا يمنعها من تخفيض الرسم الجمركيّ دون الحدّ الأعلى، ومن ثمّ إعادة زيادته إلى ذلك الحدّ.
في الأردنّ، على سبيل المثال، الحدّ الأعلى للرسم الجمركيّ على الغالبيّة العظمى من السلع هو 30%. إلّاأنّ الرسم المطّبّق للعديد من السلع، على أرض الواقع، يكون أقلّ من ذلك، ويصل في كثير من الحالات إلى الإعفاء الكامل. وعليه، فإنّه في حالة تضرّر الصناعة المحلّيّة من انخفاض الرسم الجمركيّ المطّبّق على السلعة الواردة المشابهة، فإنّ بإمكانها أن تطالب بزيادة الرسم المطّبّق ضمن الهامش المسموح به بين 0%-30%؛ وذلك لحمايتها ورفع الضرر عنها دون أن تكون الدولة العضو قد خالفت أحكام اتّفاقيّات منظّمة التجارة العالميّة. إلّا أنّ ذلك، باعتقادنا، يجب أنّ يتمّ بعد إثبات الصناعة تضرّرها، من خلال تقديم بيناتها المتعلّقة بانخفاض مبيعاتها، وإنتاجها، وربحيّتها، وحصّتها السوقيّة، وعدد العمّال، وطاقتها المستغلّة لوزارة الصناعة والتجارة، وألّا تتمّ زيادة الرسوم الجمركيّة بمجرّد الادّعاء من الصناعة؛ لضمان عدم كيديّة الادّعاءات وصحّتها.
وبعد التأكّد من صحّة البيانات، يقوم وزير الصناعة والتجارة بالتنسيب لمجلس التعرفة الجمركيّة بزيادة الرسوم إلى الحدّ المناسب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذه الآليّة متاحة فقط في مواجهة مستوردات الدول الأعضاء في منظّمة التجارة العالميّة، والتي لا ترتبط معها الدولة العربيّة باتّفاقيّة تجارة حرّة ثنائيّة، كالصين والهند على سبيل المثال، والتي تشكّل وارداتها نسبة كبيرة من مجمل واردات الدول العربيّة.
2. زيادة الرسوم الجمركيّة على السلعة المستوردة حماية للصناعة الناشئة
تمنح المادة 18 من "اتّفاقيّة الجات 1994" الدولة العضو الحقَّ في زيادة الرسوم الجمركيّة أو فرض الحصص الكمّيّة على المستوردات؛ حمايةً للصناعة الحديثة والناشئة التي تنتج سلعاً مشابهة أو منافسة، ودون أن يكون هناك شروطلإثبات الأضرار اللاحقة بهذه الصناعة للدول الأعضاء في المنظّمة، ممّا يتيح للدولة العضو المعنيّة زيادة الرسوم الجمركيّة على المستوردات المشابهة بما يتجاوز الحدّ الأعلى المقرّر لها في جداول التعرفة الجمركيّة، بشرط إخطار منظّمة التجارة العالميّة والدخول في مفاوضات مع الدولة التي تبدي اهتماماً وتطلب عقد مشاورات بخصوص الإجراء.
3. تعديل الالتزامات الجمركيّة على السلعة المستوردة من خلال إعادة التفاوض على البند الجمركيّ المخصّص لها في منظّمة التجارة العالميّة
وفقاً للمادّة 28 من "اتّفاقيّة الجات 1994"، يجوز للدول الأعضاء تعديل الالتزامات الجمركيّة على السلع المستوردة من خلال زيادة الرسوم الجمركيّة بما يتجاوز السقف الأعلى المحدّد لها، على أن يتمّ ذلك وفقاً لمعايير التفاوض التي نصّت عليها هذه المادّة.
وتشترط نفس المادّة على الدولة التي تنوي تعديل الرسم الجمركيّ إجراء مشاورات مع الدول التي لها مصلحة في تزويد السلعة المعنيّة، وفي حال عدم التوصّل إلى حلّ توافقيّ، يحقّ للدولة العضو تعديل الالتزام الجمركيّ على السلعة المستوردة، على أن يكون الحقّ للدولة التي تمّ تطبيق الإجراء في مواجهتها بتعديُل الالتزام الجمركيّ على سلعة أخرى مستوردة من هذه الدولة.
وتبرز أهمّيّة استخدام هذا الحقّ مع الدول التي لا تصدّر لها الدولة العضو مطالبةً بزيادة الرسم الجمركيّ أو تلك التي تصدّر لها بكمّيّات ضئيلة.
4. فرض التدابير الوقائيّة الخاصّة على المنتجات الزراعيّة المستوردة
وفقاً للمادّة 5 من اتّفاقيّة منظّمة التجارة العالميّة للزراعة، فإنّه يحقّ للدولة العضو، التي احتفظت بحقّ فرض ما يُعرف بالتدابير الوقائيّة الخاصّة في مرحلة التفاوض للانضمام إلى المنظّمة، زيادة الرسوم الجمركيّة على المنتجات الزراعيّة المصدّرة لها من الدول الأعضاء الآخرين، إذا ثبت تزايدها المطلق خلال فترة معيّنة، ودون أن يكون هنالك أيّ التزام بإثبات الضرر الواقع على المنتجين الذين ينتجون سلعة مشابهة للسلعة المستوردة.
الدولتان العربيّتان اللتان طلبتا الاحتفاظ بهذا الحقّ هما فقط المغرب وتونس، أمّا باقي الدول العربية فإنّها لم تحتفظ بحقّ استخدام آليّة التدابير الوقائيّة الخاصّة، ممّا يستدعي إعادة المطالبة بحقّ استخدام هذه الآليّة من خلال تقديم طلب رسميّ بذلك لمنظّمة التجارة العالميّة؛ نظراً لمرونة هذه الآليّة في حماية المنتجات الزراعيّة الوطنيّة.
stay in the loop