تعليمات السيارات الكهربائية الجديدة: حقيقة "الحمائية" في تطبيق المواصفات الاوروبية والامريكية
بهاء الدين العرموطي
Jun 12, 2024
أصدرت الحكومة الاردنية مؤخرا "تعليمات إجراءات تقييم المطابقة للمركبات الكهربائية"، والتي تُلزم تطبيق المواصفات الأوروبية والأمريكية على واردات السيارات التي تعمل بالكهرباء، مما سيرتب اثارا على سوق السيارات الكهربائية خصوصا صينية المنشأ. ووضعت هذه التعليمات متطلبات اجرائية عديدة لاستيفاء شروط الحصول على شهادات المطابقة والتراخيص. وفي حال استيفاء هذه المتطلبات، فانه من المتوقع أن تحد بشكل كبير من استيراد السيارات الكهربائية الصينية وزيادة كلف استيرادها وأسعار بيعها في السوق الأردني بنسبة قد تزيد في بعض الحالات عن ٥٠% من أسعارها الأصلية، بحسب العديد من الخبراء والتجار.
وقبل أن أتناول أسباب إصدار هذه التعليمات والجدوى منها، لا بد من القول ان الية إصدارها تلقي الضوء على مسألة لا زالت تعتبر من أهم تحديات الاستثمار في الأردن، الا وهي استقرار البيئة الاقتصادية والتشريعية، التي يقوضها على الدوام كثرة التعديلات والتغييرات التشريعية والقرارات المفاجئة التي تصدر دون سابق إنذار، والتي لا تمس فقط سرعة إنجاز المعاملات التجارية، بل ايضا جدوى الكثير من المشاريع الاستثمارية في الأردن.
أعتقد أنه كان من المفترض أن يسبق هذه التعليمات المفاجئة إجراءات تحضيرية على درجة عالية من الشفافية، ودراسة اقتصادية تبين الجدوى منها للمستهلك الأردني. فلا يوجد ابدا ما يمنع الجهة المختصة قبل اتخاذ القرار او اصدار التعليمات ان تجري تحقيقا تدعو فيه الأطراف المعنية من ممثلي وكالات وتجار السيارات وممثلي المستهلك وخبراء السيارات لتقديم ارائهم وبياناتهم حول جدوى مثل هذا القرار. وبعد تقييم أقوالهم وبياناتهم يتم نشر تقرير يوضح خلاصة هذا التحقيق، وجدوى أو عدم جدوى مشاريع هذه التعليمات او القرارات بناء على البيانات المقدمة، ومن ثم اصدار التوصية المناسبة بشأنها.
عندها تكون الجهة المختصة قد توصلت للقرار بكل شفافية وعدالة؛ وبعد أن تكون قد منحت الفرصة لكافة الاطراف ذات العلاقة لتقديم ارائهم، الامر الذي يساهم ايضا بشكل كبير في مساعدة الجهة المختصة على التوصل الى القرار الذي يراعي فعلا المصلحة العامة.
هل تهدف التعليمات الجديدة فعلا الى حماية المستهلك؟
عودة إلى مبررات التعليمات الجديدة، في الحقيقة لم أجد حتى الآن سببا مقنعا يوجب إصدارها. سمعنا في الآونة الأخيرة قصصا وروايات على مواقع التواصل حول حوادث لسيارات كهربائية صينية المنشأ تزامنت مع إصدار هذه التعليمات، ولم نألفها طيلة السنوات السابقة.
فإذا كان مبرر إصدار هذه التعليمات هو حماية المستهلك من مخاطر "المواصفة الصينية"، بحسب التصريحات الحكومية، فباعتقادي ان من حق الناس أن تبين لهم الحكومة أوجه الاختلاف بين المواصفات التي كانت مطبقة قبل التعليمات والمواصفات الجديدة، والأثر المالي للتعليمات الجديدة على كلفة استيراد السيارات الكهربائية الصينية. وأن توضح لماذا سمحت باعتماد المواصفة الصينية طيلة كل هذه السنوات إذا كانت تنطوي على أخطار محدقة! أما من ناحية الاسعار، بلا شك ان هذه التعليمات لا تحقق مصلحة المستهلك لأنها ستؤدي الى رفع أسعار المركبات الكهربائية وتقييد المعروض منها، خصوصا تلك الواردة من الصين.
واستشهادا بالمثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فان تقييد استيراد السيارات الصينية الذي سينجم عن هذه التعليمات قد يستفيد منه تجار السيارات أصحاب الوكالات الحصرية، الذين هم أكبر المتضررين من استيراد السيارات الكهرباء الصينية. إذ انخفض الطلب بشكل كبير على السيارات المعروضة لديهم في السنوات الماضية في الوقت الذي تزايد فيه استيراد السيارات الصينية. ووفقا لبيانات الاحصاءات الأردنية، فقد تزايد استيراد سيارات الكهرباء الصينية من ٦٠ سيارة في العام ٢٠١٨ إلى ١٠٣٢١ سيارة في عام ٢٠٢٢، وتزامن هذا التزايد مع انخفاض استيراد السيارات الوقود والهجينة من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان ابتداء من العام ٢٠١٨. مثلا انخفض حجم استيراد مركبات الوقود من الولايات المتحدة تدريجيا من ٨٢٥٦ مركبة في العام ٢٠١٨ الى ٣٩١١ مركبة في العام ٢٠٢٢، والألمانية تدريجيا من ٦٤٩٥ سيارة في العام ٢٠١٨ إلى ٣١٨٣ مركبة في العام ٢٠٢٢، وينطبق هذا أيضا على السيارات اليابانية وباقي المصادر. وعليه قد تكون الحكومة بذلك قد استنتجت ايضا انها متضررة من انخفاض استيراد السيارات التي تعمل بالوقود او الهجينة، نظرا للرسوم العالية المفروضة عليها مقارنة بالسيارات الكهربائية.
وبالتالي من الممكن أن الحكومة قد وجدت في هذه التعليمات ما ينعش الطلب على سيارات الوقود مجددا لتحقيق التوازن السعري بين "الوكالات الحصرية" والمعارض من جهة، ومن جهة أخرى زيادة دخل الخزينة من الرسوم الجمركية، ومن مبيعات الحكومة من المحروقات.
أسباب الاختلالات السعرية في السوق وسبل معالجتها
عموما هذه الحالة من الاختلال السعري بين السيارات الكهربائية وسيارات الوقود في السوق الاردني تُعزى في المقام الأول إلى السياسة الحكومية. لأن انخفاض أسعار المركبات الكهربائية في السوق الاردني حصل نتيجة تخفيض الحكومة للرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية مقارنة بانواع السيارات الأخرى، في سياق تطبيقها لبرامج تحفيز استخدام الطاقة البديلة، والتي بالمناسبة يبدو أنها بدأت تتخلى عنها في شتى المجالات. لذلك كان من الطبيعي ان يلجأ الناس الى السيارات الكهربائية في ظل تراجع القوة الشرائية للمواطن الاردني والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد. فالسيارات الكهربائية أسعارها مناسبة واقل كلفة في الصيانة او في استهلاك الطاقة من السيارات الاخرى. وكان من الواضح ان سياسة تخفيض الرسوم الجمركية عليها كان ليؤدي إلى تراجع الطلب على السيارات التي تعمل بالوقود، خصوصا ان الحكومة لم تتخذ في الوقت ذاته اجراءات للحفاظ على تنافسية سيارات الوقود. من ناحية أخرى يجيز القانون الأردني الاستيراد الموازي بنموذجه المطلق، فلا يحصر الحق في استيراد السيارات بالوكلاء الحصريين، الأمر الذي قد يكون قد ساهم ايضا في الضرر الحاصل لديهم في ظل عدم وجود امتيازات للوكيل الحصري في استيراد "الموديلات" الجديدة على سبيل المثال على غرار ما هو مطبق في بعض الدول كالسعودية والامارات.
لذا فان تحقيق التوازن السعري في السوق كان يتطلب مراجعة السياسة الحكومية المتعلقة بالرسوم المفروضة و الية الاستيراد الموازي، وهذه المراجعة بكل الأحوال يجب أن لا تؤول إلى زيادة كلفة استيراد السيارات الكهربائية الصينية، بل تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات التي تعمل بالوقود أو الهجينة. وقد يتطلب الأمر أيضا تشديد الرقابة على الشركات التي قد تخفض الاسعار بهدف الاضرار بالمنافسة، و على الوكلاء الحصريين الذين يغالون في اسعار بيع السيارات المعروضة لديهم بشكل غير مبرر بما يخالف قانون المنافسة .
الحمائية المتبعة في أمريكا وأوروبا
أما ما يُثار حول قيام عديد الدول اتخاذ إجراءات في مواجهة السيارات الصينية، لا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه الاجراءات جاءت لحماية صناعتها المحلية التي تنتج السيارات الكهربائية. على سبيل المثال؛ فرضت الإدارة الامريكية مؤخرا رسوما جمركية بلغت ١٠٠٪ على واردات سيارات الكهرباء الصينية ؛ كما تخضع الآن في الاتحاد الأوروبي لتحقيق في كلف إنتاجها، إلا أن هذه الإجراءات جاءت جميعها نتيجة شكاوى من صناعات السيارات الكهربائية في هذه الدول، تدعي فيها أن السيارات القادمة من الصين تتلقى دعما من الحكومة الصينية، الامر الذي يهدد الاضرار بهذه الصناعات. وايضا هناك اعتقاد لدى الكثير من النقاد أن متطلبات المواصفات الامريكية والاوروبية للسيارات الكهربائية وُضِعت أساسا لحماية تنافسية صناعات السيارات الأمريكية والأوروبية من خلال الحد من استيراد السيارات الكهربائية الصينية ! هذا في ظل حقيقة أن صناعات السيارات الكهربائية في أمريكا و أوروبا تعتمد بشكل كبير على البطاريات الصينية ذات التقنية العالية، كتلك التي تنتجها شركة BYD.
لذا فإن أي تقييد لاستيراد السيارات الكهربائية الصينية قد يكون ذا جدوى لدينا في حالة وجود صناعات سيارات اردنية توظف شرائح واسعة من العمالة المحلية، وهذا غير متحقق على أرض الواقع. المتضرر اذن من هذه التعليمات هو عديد الشركات التجارية المستثمرة في القطاع والمستهلك الأردني.
أين تكمن المصلحة العامة
إن مثل هذه الإجراءات المستقلة والمعزولة تزيد من مشاكلنا الاقتصادية، و تثقل من كاهل المواطن الأردني. ولن تتحقق المصلحة العامة فعلا الا ان عندما تأتي لمعالجة الاختلالات السوقية ضمن إطار مراجعة متأنية وعادلة وشفافة للسياسات الحكومية المتعلقة بالقطاع، وبما يؤمن الحفاظ على المنافسة العادلة وعلى حق المستهلك في حرية اختيار السيارة بالأسعار التي تناسبه.
stay in the loop